الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المحامي عبد الستار المسعودي يحلّل نقاط الخلاف في نداء تونس و"أسبابها" ويوجّه رسالة إلى الباجي قائد السبسي

نشر في  21 أكتوبر 2015  (12:53)

نصف مليار تكلفة الاجتماع ..فمن أين للنداء كل ذلك؟

أدعو الباجي الى انقاذ تونس..

وأذكّره بمأساة هارون الرشيد

جدل كبير ذلك الذي يعيش على ايقاعه حزب نداء تونس منذ تسلّمه لمقاليد الحكم بالأغلبية اثر الانتخابات الفارطة، وهذا ما بلغ أوجه في الأسابيع الفارطة حين تضاعفت حدة الانقاسات مما حدا بالبعض الى «الهروب» الى جربة في اجتماع أسال حبرا كثيرا من ناحية الشرعية والأهداف والغايات وانعكاساته على الوضع العام للبلاد..ولمحاولة فهم كل هذه المستجدات، حاورت أخبار الجمهورية القيادي بالحركة الأستاذ عبد الستار المسعودي الذي وجّه الاتهامات في كل الاتجاهات ، فتابعونا:

في البداية، لو تحلل لنا أسباب الصراعات التي تشهدها اليوم حركة نداء تونس؟
قبل أن أحلل ما يشهده نداء تونس اليوم، يجب في البداية التذكير بأنّ هذا الحزب الذي نشأ منذ قرابة السنتين والنصف قد تأسس من أجل العمل والسعي إلى خلق التوازن بين حركة إسلامية «النهضة» التي دخلت الحياة السياسية بعد تجربة عمل في الخفاء ناهزت الأربعين سنة  وبين حزب حداثي ديمقراطي جاء من أجل تصحيح المسار التاريخي والمجتمعي بل الوطن بصفة عامة ولإصلاح ما أفسدته الترويكا والظاهرة الاسلامية التي اكتوت بها أغلب الدول العربية..
نداء تونس كبُر في زمن قياسي ليدخل بقوة «معركة سياسية» طالته خلالها جملة من الاعتداءات بالأخص من قبل لجان رابطات حماية الثورة وحركة النهضة والعديد من القوى الأخرى التي كانت تنشط حتى في الخفاء والذين انتفعوا بتمويلات مشبوهة كانت تأتيهم من تركيا والخليج وخاصة قطر.. لنخرج في نهاية المطاف إلى معركة أخرى حاولوا من خلالها إقصاء الرافد الدستوري الجديد الموجود في نداء تونس ثم محاولة إقصاء الباجي قائد السبسي عبر السعي إلى تحديد السقف بالنسبة للسن القصوى لرئاسة الجمهورية ..
وبعد النجاح في إفشال كل المحاولات «اليائسة» لإجهاض وهدم حركة نداء تونس ومشروعها الحداثي، دخلنا في معركة أخرى وجودية تتعلّق بكيفية إعادة إدارة الحزب -خاصة وأنه لم يكن حاضرا من الناحية التأسيسية- الذي بقي دون مؤسسات صحيحة مع انتقال رئيسه الى قرطاج وتحوّل مؤسسيه إلى محطات أخرى بتوليهم مناصب حكومية ومناصب أخرى استشارية، فبقي بذلك النداء دون «أب صالح» ومنذ ذلك الحين انطلقت الصراعات..
- لكن ألا ترى أن تحليلك لأهداف حركة نداء تونس جاء من أجل خلق معادلة بين حزب إسلامي وحزب حداثي مناف لما كان يعد به ناخبيه الذين انتخبوه بالأساس لإبعاد حركة النهضة من الحكم ويكون بديلا «واحدا» عنها؟ 
في الحقيقة لقد كان هاجس ناخبي نداء تونس وهمهم الوحيد هو إزاحة حركة النهضة عن الحكم، لكن في العلوم السياسية المتعلقة بتكوين الأحزاب فانه يجب السعي الى خلق معادلة -فقدناها في زمن الترويكا- بين حزب الاسلاميين الطاغي وحزب مدني يؤمن بالحداثة وبالتراث التاريخي المدني للمجتمع التونسي وهو ما حققه حزب النداء خاصة وأنّ التجربة السابقة أثبتت فشل الأحزاب الديمقراطية والمدنية الأخرى مثل التكتل والجمهوري  في مواجهة النهضة والماكينة الجهنمية لها والمتمثلة في طريقة ضخّ الأموال وشراء الذمم وهذا الفشل قد انتج عنه عوامل سلبية انعكست في أن البلاد وصلت الى حد الافلاس وانتشار الارهاب والتسيّب دون رقيب ولا حسيب..
كما أنّه لا يمكن غض النظر عن أنّ نداء تونس بعد تكوينه وتمركزه وإثر انجلاء الضغوطات المادية وتيّقنه بأن مناصريه وناخبيه وخاصة ما يربو عن مليون «حرّة» تونسية كان طلبهم الأساسي هو إخراج النهضة من الحكم، سعى إلى تحقيق ذلك عبر الصندوق الانتخابي وعبر طريقة ديمقراطية تحقق ما وعد به «الندائيون»..
-  اليوم يشهد نداء تونس صراعات سياسية تنبئ بانشقاقات وتصدّعات بين شقين من قيادييه، فمن الذي يقف وراء هذه التطورات؟
في الحقيقة لقد عزا كل المحللين السياسيين هذا الصراع في بدايته إلى وجود مجموعة أشخاص وقياديين معروفين قريبين من السلطة من أجل اقتسام الكعكة والغنيمة، ليتحول فيما بعد الى أزمة فراغ مؤسساتي بمعنى أن هذا الحزب كأنه خلق لهدف واحد وهو الانتصار في الانتخابات التشريعية والرئاسية فقط «jetable» اي صالح للاستعمال مرة واحدة.. ثم بعد فترة زمنية تحول الصراع  بعد تمحيص وبحث إلى نقلة نوعية تجسدت في شخصنته التي انطلقت إثر تركيز حافظ قائد السبسي داخل النداء بخطة مؤسس بأثر رجعي وهو ليس بمؤسس والتي وضعتنا أمام خيارين لا ثالث لهما، اما التعيين أمامنا وإما التوريث وراءنا، ومن ثمة فقد اعتبر أنه عندما اكتسب تلك الشرعية دون أن يكون مؤسسا سيتمكن من السيطرة على الحزب وكل مكوناته ظنا منه أن اللقب الذي يحمله كفيل وحده بوراثة الحزب وبذلك دخل حافظ في صدام مع الهياكل الشرعية من مكتب تنفيذي والمكتب السياسي قبل أن يتحول الصراع بينه وبين محسن مرزوق لأمين العام للنداء وبالتالي تحول الصراع بين الشرعية واللاشرعية..
- ما موقفك من اجتماع جربة الذي تم تنظيمه مؤخرا خاصة أنّه شهد حضور عدّة وجوه قيادية عليا وغياب رئيس الحزب وأمينه العام والعديد من القياديين الأخرين؟
أظن انّ اجتماع جربة تميّز بتعبئة «جماهيرية» غير حزبية، حيث أن الحاضرين فيه لم يكن أغلبهم من المنتمين إلى حركة نداء تونس باستثناء الصفين الأولين الأمامين اللذين ضمّا بعض الوزراء والنواب وأما بقية الصفوف الأخرى التي تم احتسابها لتقدّر بـ17 صفا على 14 عبّأها أشخاص غرباء عن الحزب عن طريق «الانتداب المالي» وعملا بالمثل القائل  «اركب لجربة لا تمنّك»، وقد تمت هذه العملية عبر توجّه مجموعة من الحافلات جابت عّدة ولايات من الجمهورية للقيام بالتعبئة «المزيّفة» وليكونوا في دور «الكمبارس» في مشهد تمثيلي فيما تنقل كوادر الحزب في طائرة خاصة على الحساب !!!
 فهي إذن ليست بتعبئة حزبية بقدر ماهي تعبئة دولة تدخلت أجهزتها لتكوين المشهد الذي رأيناه والمميّز بحضور أمني مكثف لم نلحظ تركيزه في الجبال والجهات التي  تعاني من الإرهاب..
ولعلمك أنّ حزب النداء غير معني بمثل هاته الأموال الهائلة المبذرة في الاجتماع المذكور..
- برأيك وباعتبار ما صرحت به ان النداء لا يتحمل مصاريف جربة فمن أين تم تمويل هذا الاجتماع؟
انه من الواضح للعيان أن الترويج الذي قامت به المجموعة الانقلابية للقيام باجتماع جربة تستوجب أن تكون وراءه أموال ضخمة واعتبرها فاسدة لأنها مجهولة المصدر من الناحية القانونية، ولأنها لا تخضع للمحاسبة وليست من صندوق الحزب الذي له مراقب حسابات وباحتساب مصاريف تنقل الحاضرين واكتراء الحافلات والطائرات وكراء النزلين بالصيغة المفتوحة ALL INCLUSIVE فانّ المصاريف المبذولة قدّرها أصحاب الخبر في هذا الميدان بمبلغ يفوق 500 الف دينار وهو ما يدعو للتساؤل والمساءلة ...
- وما هي أبرز القرارات التي انبثقت عن اجتماع جربة ؟
هي أساسا قرارات تأديبية تجاه بعض القيادييين وأخرى تعلقت بتحديد موعد المؤتمر القادم للحزب والأخطر هو سحب الشرعية عن المكتب السياسي الذي كان منتخبا، ومن المضحكات المبكيات أنّ أحد «المؤتمرين المتآمرين» اتخذ موقفا غريبا حيث دعا القياديين والكوادر الذين قاطعوا الاجتماع وامتنعوا عن حضوره إلى الالتحاق بهم ...
- إذن ما هو موقفكم من هذه القرارات؟
هي قرارات باطلة تعبّر عن استهتار واضح بمؤسسات الحزب وليس لها أية قيمة قانونية وشرعية، وكان المكتب التنفيذي قد أصدر بيانا اعتبر فيه أن  قرارات اجتماع جربة تظلّ مجرد قرارات استشارية لا تأخذ بعين الاعتبار وليس لها أية صبغة قانونية..
- لو تحدد لنا الدور الذي يلعبه حافظ قائد السبسي في حزب النداء اليوم ؟
حافظ قائد السبسي دخل عالم السياسة حديثا ودخل حزب نداء تونس عن طريق «الخلع»، وأنا أعتبر دخوله لعالم السياسة ولنداء تونس بالذات أكبر كارثة عليه والأيام القادمة ستكشف لنا ذلك..
- ألا تخشى بان تكون لهذه التصريحات تداعيات حزبية وسياسية؟
شخصيا أنا لا أخشى في الحق لومة لائم  وأعتقد أن رأيي هذا هو ما يقوله الندائيون في الخفاء ولا يريدون المجاهرة به.
- أليس لديك معلومات حول أسباب مقابلة حافظ قائد السبسي للرئيس التركي أردغان مؤخرا، خاصة وأنّ البعض أشار إلى أنّه ذهب لطلب الدعم ومن الحركة الإخوانية العالمية؟
شخصيا لا أجزم بذلك، لكن كل المعطيات واللقاءات التي جمعته بحركة النهضة تشير إلى أنّه يسعى لطلب الدعم..
- وبرأيك ما هو موقف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي «الأب الروحي» للنداء في ما يحدث اليوم داخل الحركة التي أسسها ؟
قبل حدوث كارثة جربة كنت قد توجهت له في أحد لقاءاتي الإعلامية بطلب ملحّ  لرئيس الحركة الشرفي بأنّ يستعمل نفوذه المعنوي على اعتبار أنه المؤسس والأب الروحي للحزب بأن ينهي الصراع بين نجله وبين بقية القياديين حتى يوقف هذا النزيف لكن للاسف لم يحدث ذلك..
- إذن ما هو مصير نداء تونس غدا إن تواصلت هذه الصراعات، خاصة وأنّ بعض القياديين تنبؤوا بأنه في طريقه إلى الانهيار؟
أعتقد أن مصير نداء تونس سيكون إما بالانشطار أو بتواصل الخصومات بين الشق الانقلابي والشق الشرعي... وللتذكير فإنّ تاريخ تونس شهد صراعا أزليا بين الشرعية واغتصاب السلطة ويكفي الرجوع إلى تاريخ عهد الدولة الحسينية وما بعدها..
- ما هو الحلّ الامثل برأيك لإخراج حركة نداء تونس من عنق الزجاجة والنأي بها عن الانشقاقات؟
يجب في البداية الانطلاق في العمل بجدية على تحديد موعد المؤتمر القادم لحركة نداء تونس خاصة وأنّه سيضفي صفة الشرعية على المنتخبين وذلك من خلال الصندوق والذي سيفرز قيادة شرعية ستكفل ببناء حزب جماهيري ديمقراطي تقدمي، والديمقرطية كما يعرّفها البعض أحلى تجلياتها هو الصندوق وأمرّها هو النتيجة..
- هل أنّ لمحمد الناصر تأثير على حركة نداء تونس؟
رئيس الحزب محمد الناصر  بتاريخه النضالي وصفته النقابية وكونه رجل دولة كان من أبرز المدافعين عن الشرعية وحسنا فعل عندما تغيّب عن جربة احتراما لقرار المكتب السياسي الذي أوصى بذلك رغم كل المحاولات لحثّه على تغيير موقفه...
- وما هو دور محسن مرزوق في الحركة في ظل كل هذه التطورات؟
محسن مرزوق تمّ انتخابه كأمين عام للحزب على أن يتحمل دور تجميع الندائيين وهياكل الحزب والفرقاء وتكوينهم وإيصال الحركة الى مؤتمرها التأسيسي الأول على أحسن وجه.. اعتبارا لتميزه بخصال عدة على شاكلة الناحية الاتصالية والكاريزما التي يتحلّى بها، لكن ما ينقصه أنّه لم يكن حازما بما فيه الكفاية في بعض القرارات..
- برأيك ماهو دور اليسار في الحياة السياسية اليوم؟
لقد أتاحت الثورة لليسار بعد سنوات القمع والنضال في الخفاء، فرصة هامة بأن يكون القوة الثالثة في البلاد من الناحية السياسية خاصة وأنه دخل البرلمان بكتلة لا بأس بها.. لكنه أضاع عليه الفرصة التاريخية لممارسة السلطة.. «وإن شاء الله ما يندموش عليها»..
- لو تحدّد لنا موقفك من التعيينات الجديدة في سلك المعتمدين؟
أريد فقط أن أقول انّ تونس بعد الثورة لا تستحق أن تُتخذ فيها مثل هذه التعيينات المنتفع بها مجموعة من الأشخاص لا تتوفر فيهم الشروط العلمية والكفاءة لتولي هذه المناصب.
- هل لديك أمثلة على بعض هؤلاء المعتمدين؟
من بينهم شخص اشتغل كحارس، وآخر نادل في مقهى- مع احترامي لجميع المهن-، إلى جانب فضيحة أخرى تمثلت في تعيين 3 معتمدين في صفاقس ومعتمد في البحيرة عن طريق تدخّل رجل أعمال «معروف» في تونس..
- كلمة أخيرة.. 
أريد أن أعرب عن حزني الشديد عمّا وصل إليه الوضع في تونس اليوم خاصة وأنّنا افتقدنا أيّ برنامج واضح من الناحية الإقتصادية والتنموية والإجتماعية ورؤية جلية سياسية في هذا الجانب، ومما زاد الطين بلّة أنّ الحزب الفائز عوض أن ينكب على تكريس وتفعيل برنامجه الإنتخابي دخل في صراعات شخصية تونس في غنى عنها في هذا الظرف الصعب الذي تمر به من الناحية الاقصادية والاجتماعية والسياسية..
كما أوجه للباجي قائد السبسي باعتباره رئيس كل التونسيين رسالة أذكّره فيها بمأساة هارون الرشيد المريرة... وأنا أعلم أنه مطّلع على التاريخ ..

حاورته: منارة تليجاني